فصل: تفسير الآيات (34- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (26):

{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)}
قوله عز وجل: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض} فيه وجهان:
أحدهما: خليفة لله تعالى وتكون الخلافة هي النبوة.
الثاني: خليفة لمن تقدمك لأن الباقي خليفة الماضي وتكون الخلافة هي الملك.
{فاحكم بين الناس بالحق} فيه وجهان:
أحدهما: بالعدل.
الثاني: بالحق الذي لزمك لنا.
{ولا تتبع الهوى} فيه وجهان:
أحدهما: أن تميل مع من تهواه فتجور.
الثاني: أن تحكم بما تهواه فتزلّ.
{فيضلك عن سبيل الله} فيه وجهان:
أحدهما: عن دين الله.
الثاني: عن طاعة الله.
{إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نَسُوا يوم الحساب} فيه وجهان:
أحدهما: بما تركوا العمل ليوم الحساب، قاله السدي.
الثاني: بما أعرضوا عن يوم الحساب، قاله الحسن.

.تفسير الآيات (27- 33):

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29) وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)}
قوله عز وجل: {إذ عُرِض عليه بالعشي الصافنات الجياد} الخيل وفيه وجهان:
أحدهما: أن صفونها قيامها ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سره أن يقوم الرجال له صفوفاً فليتبوأ مقعده من النار» أي يديمون له القيام حكاه قطرب وأنشد قول النابغة:
لنا قبة مضروبة بفنائها ** عتاق المهاري والجياد الصوافن

الثاني: أن صفونها رفع احدى اليدين على طرف الحافر حتى تقوم على ثلاث كما قال الشاعر:
ألف الصفون فما يزل كأنه ** مما يقوم على الثلاث كسيرا

وفي {الجياد} وجهان:
أحدهما: أنها الطوال العناق مأخوذ من الجيد وهو العنق لأن طول أعناق الخيل من صفات فراهتها.
الثاني: أنها السريع، قاله مجاهد واحدها جواد سمي بذلك لأنه يجود بالركض.
قوله عز وجل: {فَقَالَ إِني أحببت حُبَّ الخَيْرِ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني حب المال، قاله ابن جبير والضحاك.
الثاني: حب الخيل قاله قتادة والسدي. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة» وفي قراءة ابن مسعود: حب الخيل.
الثالث: حب الدنيا، قاله أسباط.
وفي {أحببت حب الخير} وجهان:
أحدهما: أن فيه تقديماً وتأخيراً تقديره: أحببت الخير حباً فقدم، فقال: أحببت حب الخير ثم أضاف فقال أحب الخير، قاله بعض النحويين.
الثاني: أن الكلام على الولاء في نظمه من غير تقديم ولا تأخير، وتأويله: آثرت حب الخير.
{عَن ذِكر ربي} فيه وجهان:
أحدهما: عن صلاة العصر، قاله علي رضي الله عنه.
الثاني: عن ذكر الله تعالى، قاله ابن عباس.
وروى الحارث عن علي كرم الله وجهه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة الوسطى فقال: «هي صلاة العصر التي فرط فيها نبي الله سليمان عليه السلام».
{حتى توارت بالحجاب} فيه قولان:
أحدهما: حت توارت الشمس بالحجاب، والحجاب جبل أخضر محيط بالخلائق، قاله قتادة وكعب.
الثاني: توارت الخيل بالحجاب أي شغلت بذكر ربها إلى تلك الحال، حكاه ابن عيسى.
والحجاب الليل يسمى حجاباً لأنه يستر ما فيه.
قوله عز وجل: {رُدُّوها عليَّ} يعني الخيل لأنها عرضت عليه فكانت تجري بين يديه فلا يستبين منها شيء لسرعتها وهو اللهم أغضَّ بصري، حتى غابت الحجاب ثم قال ردوها عليّ.
{فطفق مسحاً بالسوق والأعناق} فيه قولان:
أحدهما: أنه من شدة حبه لها مسح عراقيبها وأعناقها، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه لما رآها قد شغلته عن الصلاة ضرب عراقيبها وأعناقها، قاله الحسن وقتادة.
ولم يكن ما اشتغل عنه من الصلاة فرضاً بل كان نفلاً لأن ترك الفرض عمداً فسق، وفعل ذلك تأديباً لنفسه. والخيل مأكولة اللحم فلم يكن ذلك منه إتلافاً يأثم به.
قال الكلبي: كانت ألف فرس فعرقب تسعمائة وبقي منها مائة. فما في أيدي الناس من الخيل العتاق من نسل تلك المائة.

.تفسير الآيات (34- 40):

{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (40)}
قوله عز وجل: {ولقد فتنا سُليمان} فيه وجهان:
أحدهما: يعني ابتليناه قاله السدي.
الثاني: عاقبناه، حكاه النقاش.
وفي فتنته التي عوقب بها ستة أقاويل:
أحدهما: أنه كان قارب بعض نسائه في بعض الشيء من حيض أو غيره قاله الحسن.
الثاني: ما حكاه ابن عباس قال كانت لسليمان امرأة تسمى جرادة وكان بين أهلها وبين قوم خصومة فاختصموا إلى سليمان ففصل بينهم بالحق ولكنه ود أن الحق كان لأهلها فقيل له إنه سيصيبك بلاء فجعل لا يدري أمن الأرض يأتيه البلاء أم من السماء.
الثالث: ما حكاه سعيد بن المسيب أن سليمان احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يقضي بين أحد ولم ينصف مظلوماً من ظالم فأوحى الله تعالى إليه إني لم أستخلفك لتحجب عن عبادي ولكن لتقضي بينهم وتنصف مظلومهم.
الرابع: ما حكاه شهر بن حوشب أن سليمان سبى بنت ملك غزان في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون، فألقيت عليه محبتها وهي معرضة عنه تذكر أمر أبيها لا تنظر إليه إلا شزراً ولا تكلمه إلا نزراً، ثم إنها سألته أن يضع لها تمثالاً على صورته فصنع لها فعظمته وسجدت له وسجد جواريها معها، وصار صنماً معبوداً في داره وهو لا يعلم به حتى مضت أربعون يوماً وفشا خبره في بني إسرائيل وعلم به سليمان فكسره وحرقه ثم ذراه في الريح.
الخامس: ما حكاه مجاهد أن سليمان قال لآصف الشيطان كيف تضلون الناس؟ فقال له الشيطان أعطني خاتمك حتى أخبرك، فأعطاه خاتمه فألقاه في البحر حتى ذهب ملكه.
السادس: ما حكاه أبان عن أنس أن سليمان قال ذات ليلة: والله لأطوفن على نسائي في هذه الليلة وهن ألف امرأة كلهن تشتمل بغلام، كلهم يقاتل في سبيل الله، ولم يستثن. قال أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفس محمد بيده لو استثنى لكان ما قال» فما حملت له تلك الليلة إلا امرأة واحدة فولدت له شق إنسان.
{وألقينا على كُرْسيِّه جسداً} فيه قولان:
أحدهما: معناه وجعلنا في ملكه جسداً، والكرسي هو الملك.
الثاني: وألقينا على سرير ملكه جسداً.
وفي هذا (الجسد) أربعة أقاويل:
أحدها: أنه جسد سليمان مرض فكان جسده ملقى على كرسيه، قاله ابن بحر.
الثاني: أنه ولد له ولد فخاف عليه فأودعه في السحاب يغذى في اليوم كالجمعة، وفي الجمعة كالشهر وفي الشهر كالسنة، فلم يشعر إلا وقد وقع على كرسيه ميتاً، قاله الشعبي.
الثالث: أنه أكثر من وطء جواريه طلباً للولد، فولد له نصف إنسان، فهو كان الجسد الملقى على كرسيه، حكاه النقاش.
الرابع: أن الله كان قد جعل ملك سليمان في خاتمه فكان إذا أجنب أو ذهب للغائط خلعه من يده ودفعه إلى أوثق نسائه حتى يعود فيأخذه، فدفعه مرة إلى بعض نسائه وذهب لحاجته فجاء شيطان فتصور لها في صورة سليمان فطلب الخاتم منها فأعطته إياه، وجاء سليمان بعده فطلبه، فقالت قد أخذته فأحس سليمان.
واختلف في اسم امرأته هذه على قولين:
أحدهما: جرادة، قاله ابن عباس وابن جبير.
الثاني: الأمينة، قاله شهر بن حوشب.
وقال سعيد بن المسيب: كان سليمان قد وضع خاتمه تحت فراشه فأخذه الشيطان من تحته. وقال مجاهد: بل أخذه الشيطان من يده لأن سليمان سأل الشيطان كيف تضل الناس؟ فقال الشيطان: أعطني خاتمك حتى أخبرك فأعطاه خاتمه، فلما أخذ الشيطان الخاتم جلس على كرسي سليمان متشبهاً بصورته داخلاً على نسائه، يقضي بغير الحق ويأمر بغير صواب. واختلف في إصابته النساء، فحكي عن ابن عباس: أنه كان يأتيهن في حيضهن. وقال مجاهد: منع من إتيانهن، وزال عن سليمان ملكه فخرج هارباً إلى ساحل البحر يتضيف الناس ويحمل سموك الصيادين بالأجرة، وإذا أخبر الناس أنه سليمان أكذبوه، فجلس الشيطان على سريره، وهو معنى قوله تعالى وألقينا على كرسيه جسداً.
واختلف في اسم هذا الشيطان على أربعة أقاويل:
أحدها: أن اسمه صخر، قاله ابن عباس.
الثاني: آصف، قاله مجاهد.
الثالث: حقيق، قاله السدي.
الرابع: سيد، قاله قتادة.
ثم إن سليمان بعد أن استنكر بنو إسرائيل حكم الشيطان أخذ حوته من صياد قيل إنه استطعمها، وقال ابن عباس أخذها أجراً في حمل حوت حمله، فلما شق بطنه وجد خاتمه فيها، وذكل بعد أربعين يوماً من زوال ملكه عنه، وهي عدة الأيام التي عُبد الصنم في داره. قاله مقاتل وملك أربعين سنة، عشرين سنة قبل الفتنة وعشرين بعدها. وكانت الأربعون يوماً التي خرج فيها عن ملكه ذا القعدة وعشراً من ذي الحجة، فسجد الناس له حين عاد الخاتم إليه وصار إلى ملكه.
وحكى يحيى بن أبي عمرو الشيباني أن سليمان وجد خاتمه بعسقلان فمشى منها إلى بيت المقدس تواضعاً لله.
قال ابن عباس: ثم إن سليمان ظفر بالشيطان فجعله في تخت من رخام وشده بالنحاس وألقاه في البحر. فهذا تفسير قوله تعالى: {وألقينا على كرسيه جسداً}.
{ثم أناب} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ثم رجع إلى ملكه، قاله الضحاك.
الثاني: ثم أناب من ذنبه، قاله قتادة.
الثالث: ثم برأ من مرضه، قاله ابن بحر.
قوله عز وجل: {قال ربِّ اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: ليكون ذلك معجزاً له يعلم به الرضا ويستدل به على قبول التوبة.
الثاني: ليقوى به على من عصاه من الجن، فسخرت له الريح حينئذٍ.
الثالث: لا ينبغي لأحد من بعدي في حياتي أن ينزعه مني كالجسد الذي جلس على كرسيه، قاله الحسن.
{إنك أنت الوهاب} أي المعطي، قال مقاتل: سأل الله تعالى ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده بعد الفتنة فزاده الله تعالى الريح والشياطين بعدما ابتلى، وقال الكلبي حكم سليمان في الحرث وهو ابن إحدى عشرة سنة، وملك وهو ابن اثنتي عشرة سنة.
قوله عز وجل: {فسخرنا له الريح} أي ذللناها لطاعته.
{تجري بأمره} يحتمل وجهين:
أحدهما: تحمل ما يأمرها.
الثاني: تجري إلى حيث يأمرها.
{رخاء} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: طيبة، قاله مجاهد.
الثاني: سريعة، قاله قتادة.
الثالث: مطيعة، قاله الضحاك.
الرابع: لينة، قاله ابن زيد.
الخامس: ليست بالعاصفة المؤذية ولا بالضعيفة المقصرة، قاله الحسن.
{حيث أصاب} فيه وجهان:
أحدهما: حيث أراد، قاله مجاهد وقال قتادة: هو بلسان هجر. قال الأصمعي: العرب تقول أصاب الصواب فأخطأ الجواب، أي أراد الصواب.
الثاني: حيث ما قصد مأخوذ من إصابة السهم الغرض المقصود.
قوله عز وجل: {والشياطين كلَّ بناءٍ وغواص} يعني سخرنا له الشياطين كل بناء يعني في البر، وغواص يعني في البحر على حليّه وجواهره.
{وآخرين مقرنين في الأصفاد} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: في السلاسل: قاله قتادة.
الثاني: في الأغلال، قاله السدي.
الثالث: في الوثاق، قاله ابن عيسى، قال الشاعر:
فآبُوا بالنهابِ وبالسبايا ** وأبنا بالملوك مُصَفّدينا

قال يحيى بن سلام: ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفرهم، فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم. ووجد على سور مدينة سليمان عليه السلام:
لو أن حيّاً ينال الخُلد في مهل ** لنال ذاك سليمان بن داوِد

سالت له العين عين القطر فائضة ** فيه ومنه عطاءٌ غير موصود

لم يبق من بعدها في الملك مرتقياً ** حتى تضمن رمْساً بعد أخدود

هذا التعْلَم أنّ الملك منقطع ** إلاّ من الله ذي التقوى وذي الجود

قوله عز وجل: {هذا عطاؤنا} في المشار إليه بهذا ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما تقدم ذكره من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده بتسخير الريح والشياطين.
فعلى هذا في قوله {فامنن أو أمسك بغير حساب} وجهان:
أحدهما: امنن على من شئت من الجن بإطلاقه، أو امسك من شئت منهم في عمله من غير حرج عليك فيما فعلته بهم، قاله قتادة والسدي.
الثاني: اعط من شئت من الناس وامنع من شئت منهم.
{بغير حساب} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بغير تقدير فيما تعطي وتمنع حكاه ابن عيسى.
الثاني: بغير حرج، قاله مجاهد.
الثالث: بغير حساب تحاسب عليه يوم القيامة، قاله سعيد بن جبير.
قال الحسن: ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه فيها تبعة إلا سليمان فإن الله تعالى يقول: {هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب} وحكى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله {هذا عطاؤنا} الآية. قال سليمان عليه السلام: أوتينا ما أوتي الناس وما لم يؤتوا، وعلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا فلم نر شيئاً هو أفضل من خشية الله في الغيب والشهادة، والقصد في الغنى والفقر، وكلمة الحق في الرضا والغضب.
والقول الثاني: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً تقديره هذا عطاؤنا بغير حساب فامنن أو أمسك، فعلى هذا في قوله فامنن أو أمسك وجهان:
أحدهما: بغير جزاء.
الثاني: بغير قلة.
والقول الثالث: إن هذا إشارة إلى مضمر غير مذكور وهو ما حكي أن سليمان كان في ظهره ماء مائة رجل وكان له ثلاثمائة امرأته وسبعمائة سرية فقال الله تعالى: {هذا عطاؤنا} يعني الذي أعطيناك من القوة على النكاح {فامنن} بجماع من تشاء من نسائِك {أو أمسك} عن جماع من تشاء من نسائِك. فعلى هذا في قوله بغير حساب وجهان:
أحدهما: بغير مؤاخذة فيمن جامعت أو عزلت.
الثاني: بغير عدد محصور فيمن استبحت أو نكحت. وهذا القول عدول من الظاهر إلى ادعاء مضمر بغير دليل لكن قيل فذكرته.